فصل: تفسير الآيات (1- 4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.سورة قريش:

وهي مكية.
ذكر حديث غريب في فضلها: قال البيهقي في كتاب الخلافيات: حدثنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو، حدثنا أحمد بن عُبَيد الله النرسي حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت بن شرحبيل، حدثني عثمان بن عبد الله بن أبي عتيق، عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة، عن أبيه، عن جدته أم هانئ بنت أبي طالب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضل الله قريشًا بسبع خلال: أني منهم وأن النبوة فيهم، والحجابة، والسقاية فيهم، وأن الله نصرهم على الفيل، وأنهم عبدوا الله، عز وجل، عشر سنين لا يعبده غيرهم، وأن الله أنزل فيهم سورة من القرآن» ثم تلاها رسول الله: بسم الله الرحمن الرحيم {لإيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 4):

{لإيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}
هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الإمام، كتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم وإن كانت متعلقة بما قبلها. كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ لأن المعنى عندهما: حبسنا عن مكة الفيل وأهلكنا أهله {لإيلافِ قُرَيْشٍ} أي: لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين.
وقيل: المراد بذلك ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام في المتاجر وغير ذلك، ثم يرجعون إلى بلدهم آمنين في أسفارهم؛ لعظمتهم عند الناس، لكونهم سكان حرم الله، فمن عَرَفهم احترمهم، بل من صوفي إليهم وسار معهم أمن بهم. هذا حالهم في أسفارهم ورحلتهم في شتائهم وصيفهم. وأما في حال إقامتهم في البلد، فكما قال الله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67] ولهذا قال: {لإيلافِ قُرَيْشٍ} بدل من الأول ومفسر له. ولهذا قال: {إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}.
وقال ابن جرير: الصواب أن اللام لام التعجب، كأنه يقول: اعجبوا لإيلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك. قال: وذلك لإجماع المسلمين على أنهما سورتان منفصلتان مستقلتان.
ثم أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} أي: فليوحدوه بالعبادة، كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما، كما قال تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [النمل: 91]
وقوله: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ} أي: هو رب البيت، وهو {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} أي: تفضل عليهم بالأمن والرخص فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنمًا ولا ندا ولا وثنًا. ولهذا من استجاب لهذا الأمر جَمَع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [النحل: 112- 113]
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن عمرو العَدَني، حدثنا قَبِيصة، حدثنا سفيان، عن ليث، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل أمكم، قريش، لإيلاف قريش» ثم قال:
حدثنا أبي، حدثنا المؤَمَّل بن الفضل الحراني، حدثنا عيسى- يعني ابن يونس- عن عُبَيد الله ابن أبي زياد، عن شهر بن حوشب، عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. ويحكم يا معشر قريش، اعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف».
هكذا رأيته عن أسامة بن زيد، وصوابه عن أسماء بنت يزيد بن السكن، أم سلمة الأنصارية، رضي الله عنها فلعله وقع غلط في النسخة أو في أصل الرواية، والله أعلم.
آخر تفسير سورة لإيلاف قريش.

.سورة الماعون:

وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 7):

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}
يقول تعالى: أرأيت- يا محمد- الذي يكذب بالدين؟ وهو: المعاد والجزاء والثواب، {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} أي: هو الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه، ولا يطعمه ولا يحسن إليه، {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} كما قال تعالى: {كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الفجر: 17، 18] يعني: الفقير الذي لا شيء له يقوم بأوده وكفايته.
ثم قال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} قال ابن عباس، وغيره: يعني المنافقين، الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر.
ولهذا قال: {لِلْمُصَلِّينَ} أي: الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها، ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية، كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا، فيخرجها عن وقتها بالكلية، كما قاله مسروق، وأبو الضحى.
وقال عطاء بن دينار: والحمد لله الذي قال: {عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} ولم يقل: في صلاتهم ساهون.
وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا. وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به. وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل هذا كله، ولكن من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية. ومن اتصف بجميع ذلك، فقد تم نصيبه منها، وكمل له النفاق العملي. كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يَرْقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا» فهذا آخر صلاة العصر التي هي الوسطى، كما ثبت به النص إلى آخر وقتها، وهو وقت كراهة، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا؛ ولهذا قال: «لا يذكر الله فيها إلا قليلا». ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس، لا ابتغاء وجه الله، فهو إذًا لم يصل بالكلية. قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا} [النساء: 142].
وقال هاهنا: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ}
وقال الطبراني: حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه البغدادي، حدثني أبي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن يونس، عن الحسن، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في جهنم لواديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة، أعد ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد: لحامل كتاب الله. وللمصدق في غير ذات الله، وللحاج إلى بيت الله، وللخارج في سبيل الله».
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نُعَيم، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة قال: كنا جلوسا عند أبي عبيدة فذكروا الرياء، فقال رجل يكنى بأبي يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سَمَّع الناس بعمله، سَمَّع الله به سامعَ خلقه، وحَقَّره وصَغَّره».
ورواه أيضا عن غُنْدَر ويحيى القطان، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن رجل، عن عبد الله ابن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره.
ومما يتعلق بقوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} أن من عمل عملا لله فاطلع عليه الناس، فأعجبه ذلك، أن هذا لا يعد رياء، والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا مخلد بن يزيد، حدثنا سعيد بن بشير، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كنت أصلي، فدخل علي رجل، فأعجبني ذلك، فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «كتب لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية».
قال أبو علي هارون بن معروف: بلغني أن ابن المبارك قال: نعم الحديثُ للمرائين.
وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وسعيد بن بشير متوسط، وروايته عن الأعمش عزيزة وقد رواه غيره عنه.
قال أبو يعلى أيضا: حدثنا محمد بن المثنى بن موسى، حدثنا أبو داود، حدثنا أبو سِنان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل يَسُرُّه، فإذا اطُّلعَ عليه أعجبه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «له أجران: أجر السر وأجر العلانية».
وقد رواه الترمذي عن محمد بن المثنى، وابن ماجه عن بُنْدَار، كلاهما عن أبي داود الطيالسي عن أبي سنان الشيباني- واسمه: ضرار بن مرة. ثم قال الترمذي: غريب، وقد رواه الأعمش وغيره. عن حبيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
وقد قال أبو جعفر بن جرير: حدثني أبو كُرَيْب، حدثنا معاوية بن هشام، عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي، حدثني رجل، عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} قال: «الله أكبر، هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا، هو الذي إن صلى لم يَرْجُ خير صلاته، وإن تركها لم يخف ربه».
فيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، وشيخه مبهم لم يُسَم، والله أعلم.
وقال ابن جرير أيضا: حدثني زكريا بن أبان المصري، حدثنا عمرو بن طارق، حدثنا عِكْرمِة بن إبراهيم، حدثني عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} قال: «هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها».
وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية، أو صلاتها بعد وقتها شرعا، أو تأخيرها عن أول الوقت سهوا حتى ضاع الوقت.
وكذا رواه الحافظ أبو يعلى عن شيبان بن فَرُّوخ، عن عكرمة بن إبراهيم، به. ثم رواه عن أبي الربيع، عن جابر، عن عاصم، عن مصعب، عن أبيه موقوفًا وهذا أصح إسنادًا، وقد ضعف البيهقي رفعه، وصحح وقفه، وكذلك الحاكم.
وقوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} أي: لا أحسنوا عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم. فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القُرُبات أولى وأولى. وقد قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: قال علي: الماعون: الزكاة.
وكذا رواه السدي، عن أبي صالح، عن علي.
وكذا روي من غير وجه عن ابن عمر. وبه يقول محمد بن الحنفية، وسعيد بن جبير، وعِكْرِمة، ومجاهد، وعطاء، وعطية العوفي، والزهري، والحسن، وقتادة، والضحاك، وابن زيد.
وقال الحسن البصري: إن صلى راءى، وإن فاتته لم يأس عليها، ويمنع زكاة ماله وفي لفظ: صدقة ماله.
وقال زيد بن أسلم: هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها، وضَمنَت الزكاة فمنعوها.
وقال الأعمش وشعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار: أن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون، فقال: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس، والقدر، والدلو.
وقال المسعودي، عن سلمة بن كُهَيْل، عن أبي العُبَيدين: أنه سُئِل ابنُ مسعود عن الماعون، فقال: هو ما يتعاطاه الناس بينهم، من الفأس والقدر والدلو، وأشباه ذلك.
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عبيد المحاربي، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي العُبَيدين وسعد بن عياض، عن عبد الله قال: كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الماعون الدلو، والفأس، والقدر، لا يستغنى عنهن.
وحدثنا خلاد بن أسلم، أخبرنا النضر بن شُمَيْل، أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله أنه سئل عن الماعون، فقال: ما يتعاوره الناس بينهم: الفأس والدلو وشبهه.
وقال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي الفلاس، حدثنا أبو داود- هو الطيالسي- حدثنا أبو عَوانَة، عن عاصم بن بَهْدَلة، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: الماعون: منع الدلو وأشباه ذلك.
وقد رواه أبو داود والنسائي، عن قتيبة، عن أبي عوانة بإسناده، نحوه ولفظ النسائي عن عبد الله قال: كل معروف صدقة، وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاريَّة الدلو والقدر.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: الماعون: العَواري: القدر، والميزان، والدلو.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} يعني: متاع البيت.
وكذا قال مجاهد وإبراهيم النَّخعي، وسعيد بن جبير، وأبو مالك، وغير واحد: إنها العاريَّة للأمتعة.
وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد عن ابن عباس: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قال: لم يجئ أهلها بعد.
وقال العوفي عن ابن عباس: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قال: اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: يمنعون الزكاة. ومنهم من قال: يمنعون الطاعة. ومنهم من قال: يمنعون العارية. رواه ابن جرير. ثم روي عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن عُلَيَة، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي: الماعون: منع الناس الفأس، والقدر، والدلو.
وقال عكرمة: رأس الماعون زكاة المال، وأدناه.
المنخل والدلو، والإبرة. رواه ابن أبى حاتم.
وهذا الذي قاله عكرمة حسن؛ فإنه يشمل الأقوال كلها، وترجع كلها إلى شيء واحد. وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة. ولهذا قال محمد بن كعب: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قال: المعروف. ولهذا جاء في الحديث: «كل معروف صدقة».
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قال: بلسان قريش: المال.
وروى هاهنا حديثا غريبا عجيبا في إسناده ومتنه فقال:
حدثنا أبي، وأبو زُرْعَة قالا حدثنا قيس ابن حفص الدارمي، حدثنا دلهم بن دهثم العجلي، حدثنا عائذ بن ربيعة النَميري، حدثني قرة بن دعموص النميري: أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، ما تعهد إلينا؟ قال: «لا تمنعون الماعون». قالوا: يا رسول الله، وما الماعون؟ قال: «في الحَجَر، وفي الحديدة، وفي الماء». قالوا: فأي حديدة؟ قال: «قدوركم النحاس، وحديد الفأس الذي تمتهنون به». قالوا: وما الحجر؟ قال: «قدوركم الحجارة».
غريب جدا، ورفعه منكر، وفي إسناده من لا يعرف، والله أعلم.
وقد ذكر ابنُ الأثير في الصحابة ترجمة علي النميري، فقال: روى ابن قانع بسنده إلى عائذ ابن ربيعة بن قيس النميري، عن علي بن فلان النميري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المسلم أخو المسلم. إذا لقيه حَيَّاه بالسلام، ويرد عليه ما هو خير منه، لا يمنع الماعون». قلت: يا رسول الله، ما الماعون؟ قال: «الحَجَر، والحديد، وأشباه ذلك».
آخر تفسير سورة الماعون.